فصل: قال أحمد عبد الكريم الأشموني:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



نقبوا في البلاد من حذر الموت ** وجالوا في الأرض كل مجال

وقال امرئ القيس:
وقد نقّبت في الآفاق حتى ** رضيت من الغنيمة بالإياب

{إِنَّ فِي ذلِكَ} الذي قصصناه عليكم يا أمة محمد بشير إلى أنكم ومن قبلكم ومن بعدكم صائرون إلينا وإن هو {لَذِكْرى} عظيمة وعبرة باهرة وعظة بالغة {لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ} واع وعقل ثابت وفكر ثاقب {أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ} لما يتلى عليه من القرآن، وسمعه سماع قبول لا يحدث نفسه بخلافه مصغيا لإرشاده {وَهُوَ شَهِيدٌ} فطن لا غافل ولا نسيان، لأن من لا يحصر ذهنه ولبه وسمعه وبصره لآيات اللّه لا يدخل في هذه الآية بل يكون في عداد الذين ذكرهم اللّه في الآية 187 من الأعراف، الآتية أعاذنا اللّه من ذلك.

.مطلب الآية المدنية في هذه السورة وخلق السموات والأرض والتسبيح:

وهذه الآية المدنية قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما}.
من الجن والإنس والملائكة والطير والوحش والمياه وغيرها {فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا} لحقنا ولا أصابنا {مِنْ لُغُوبٍ} إعياء أو تعب فكيف تستعظمون علينا إعادتكم أيها الناس وهي لا شيء بالنسبة لهذا الذي لا تفي به القوى لأنه أعظم من الخلق كله راجع الآية 57 من سورة غافر من ج 2، وهذه الآية أيضا كالمستطردة بالنسبة لما قبلها وبعدها كسائر الآيات المدنيات في المكيات، وسبب نزولها أن اليهود قالوا أن اللّه خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام أولها الأحد وآخرها الجمعة ثم استراح يوم السبت واستلقى على العرش فلذلك تركوا العمل فيه كما هو موجود في التوراة الموجودة الآن راجع الاصحاح الأول والثاني من التكوين في التوراة، فكذّبهم اللّه عز وجل في هذه الآية، نافيا عن ذاته المقدسة التعب والاعياء المستلزمين للراحة.
ومما يدل على كذبهم أن الأيام أزمنة مستمرة بعضها بعد بعض فلو كان بدأ خلقها بالأحد كما يزعمون لكان الزمان مخلوقا قبل الأيام مع أن الزمان لا ينفك عن الأجسام فيكون قبل خلق الأجسام لأن اليوم عبارة عن سير الشمس من طلوعها إلى غروبها وقبل خلق السموات والأرض ما كان شمس ولا قمر لأن اليوم يطلق ويراد به الوقت والحين وقد يعبر به عن مدة من الزمن أيّ مدة كانت فبطل قول اليهود وثبت التحريف في التوراة الموجودة الآن بين أيديهم وأن ما ينسبونه إلى اللّه من الاستراحة والاستلقاء محض زور وبهتان تعالى اللّه عنهما علوا كبيرا.
انتهت الآية المدنية.
قال تعالى: {فَاصْبِرْ} يا حبيبي {عَلى ما يَقولونَ} فيك من التكذيب والبهتان فإني بالمرصاد لهم، يعلمون أنهم يجحدون آياتي بتكذبيك راجع الآية 32 من الأنعام في ج 2 وإنما أمره ربه بالصبر مع تطاولهم عليه الذي كاد أن يمحق صبره لأنه لم يؤمر بقتالهم بعد {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ} إنما أمره بالتسبيح فيه لأنه سيفرض عليه وعلى أمته فيه صلاة الصبح كما في أزله وكذلك الأمر في قوله: {وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} لأنه ستفرض فيه صلاة المغرب وقبله صلاتا الظهر والعصر {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ} أيضا حيث يفرض فيه صلاة العشاءين وتسمى فيه النافلة والتهجد {وَأَدْبارَ السُّجُودِ} سبحه بعده أيضا والسجود كان يفعله صلّى اللّه عليه وسلم قبل فرض الصلاة إذ أنه سجد في آخر اقرأ والنجم وغيرها، والمراد من هذه الآية مطلق التسبيح لأن الصلاة التي فيها التسبيح لم تفرض بعد وقال علي وعمر رضي اللّه عنهما: المراد بأدبار السجود الركعتان بعد المغرب {وَإِدْبارَ النُّجُومِ} الْآيَة الأخيرة من سورة الطور في ج 2 الركعتان قبل الصبح إلا أن هذه بكسر الهمزة إذ يراد بها ذهابها لجهة سيرها الذي تغيب فيه عن يمين الرائي وهناك بفتح الهمزة حيث يراد بالإدبار البعدية المطلقة، أي سبحه بعد كل سجود حين الهدى اليه، لأن التسبيح يكون فيه وهو المراد هنا وإن كان مطلوبا في غيره وفي كل حال، إذ ينبغي للانسان أن لا يغفل عن ذكر اللّه كما جاء في الآية 191 من آل عمران في ج 3 وبعض المفسرين يجوزه في هذا أيضا ويقولون ان المراد بآية الطور الركعتان قبل الصبح.
روى مسلم عن عائشة رضي اللّه عنها وعن أبيها أن النبي صلّى اللّه عليه وسلم قال: «ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها».
يعني سنة الفجر.
وروى البخاري عن ابن عباس قال: «أمر رسول اللّه أن يسبح في أدبار الصلوات كلها».
وهذا كله كان بعد فرض الصلاة، ولا يخفى أن عائشة وابن عباس كانا صغيرين دون سن التمييز، حيث كان سن عائشة عند الهجرة سبع سنين، وابن عباس أربع سنين، بما يدل على أن ليس المراد بها السجود في الصلاة ولذلك قال بعضهم المراد بالتسبيح هنا التسبيح بعد الصلاة مستدلا بما رواه مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول اللّه «من سبح اللّه في دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين وحمد اللّه ثلاثا وثلاثين وكبر اللّه ثلاثا وثلاثين فذلك تسعة وتسعون ثم قال تمام المائة لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، غفرت ذنوبه وان كانت مثل زبد البحر».
وفي حديث ابن عباس المتقدم أن هذا جاء بمعرض الثواب لمن لا يقدر على تحصيله من جهة أخرى.
يدل على هذا ما رواه البخاري عن أبي هريرة «أن نفرا من المسلمين أتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم فقالوا يا رسول اللّه ذهب أهل الوتور بالأجور وفي رواية بالدرجات والنعيم المقيم فقال وما ذاك؟ قالوا صلوا كما صلينا، وجاهدوا كما جاهدنا، وأنفقوا من فضول أموالهم وليست لنا أموال، قال: أفلا أخبركم بأمر تدركون به من كان قبلكم. وتسبقون من جاء بعدكم ولا يأتي أحد بمثل ما جئتم به إلا من جاء بمثله؟ تسبحون في دبر كل صلاة عشرا وتحمدون عشرا. وتكبرون عشرا».
وفي رواية أبي ذر الغفاري: «ان لكم بكل تسبيحة صدقة وبكل تكبيرة صدقة وبكل تحميدة صدقة وفي بضع أحدكم صدقة إلخ قالوا يا رسول اللّه أيأتي أحدنا شهوته ويكون له بها أجر؟ قال أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر، فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر»، قال تعالى: {وَاسْتَمِعْ} يا سيد الرسل لما أخبرك به من حال يوم القيامة الذي قصصناه عليك كيف يكون {يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ} أهلها بالنفخة الثانية {مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ} قربا نسبيا من السماء إذ يقف على صخرة بيت المقدس، وهي على ما قيل بمكان أقرب إلى السماء من الأرض بثمانية عشر أو اثني عشر ميلا وانها وسط الأرض، فيقول بصوت يسمع فيه أقطار الأرض كلها ولحج البحار وبطون الأودية ورؤس الجبال بدلالة قوله تعالى: {يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ} وكيفيّتها أيتها العظام النخرة البالية والأوصال المنقطعة واللحوم الممزقة والشعور المتفرقة إن اللّه يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء {بِالْحَقِّ} يوم البعث والجزاء والحشر، ويقال هلموا لهذا فتستجيب تلك الذرات لأمر الرب وتلنئم كلها على بعضها، لا يعزب منها ذرة حتى تكون جسدا كما كانت في الدنيا، وتدبّ فيها الحياة بأمر محيي الموتى، فيا أيها الناس {ذلِكَ} يوم النداء هذا هو {يَوْمُ الْخُرُوجِ} أي خروج الأموات من مدافنها والذرات من أماكنها وهو يوم التئامها وتكوينها في بعضها كما كانت في الدنيا، ليعلم هؤلاء المنكرون حقيقته عيانا {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي} الخلق في الدنيا {وَنُمِيتُ} من نخلقه فيها بعد انقضاء أجله {وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ} اي الحياة الأخرى في الآخرة {يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ} بالبناء للفاعل وقرىء المفعول وقرىء بتشديد الشين للتكثير وقرىء بتاءين، وهذه كلها جائزة، راجع بحث القراءات في المقدمة.
فيخرجون {سِراعًا} إلى أرض الحشر بدليل قوله: {ذلِكَ} أي يصير هذا الأمر العظيم {حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ} جدا هين بالنسبة لقدرتنا إذ لا يشغلنا شأن عن شأن، فاترك با أكمل الرسل كفار قومك ولا تجادلهم {نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقولونَ} من جحد البعث وانكار الآيات ولا يضرك تكذيبهم لك لأنك لم تؤمر بقتالهم {وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ} الآن {بِجَبَّارٍ} لأنك لم تسلط عليهم بعد وما أنت الآن إلا منذر ومبلغ {فَذَكِّرْ بِالقرآن مَنْ يَخافُ وَعِيدِ} لأن الذي لا يخشاه لا تنفعه الذكرى ولا تؤثر فيه الموعظة.
قال ابن عباس قالوا لو خوفتنا يا رسول اللّه، فنزلت هذه الآية مما يدل على أن هذه السورة لم تنزل دفعة واحدة فضلا عن الآية المدنية فيها.
هذا، وقد ذكرنا آنفا أن قرب المنادى قربا نسبيا على أنه يمكن ان يكون حقيقيا لأنه إذا كان المذياع يسمع كافة أطراف الأرض وما فيها بآن واحد بلا فرق بين البعيد والقريب منها، وهو من مصنوعات العبيد فلأن يسمع أهل البرزخ كلهم بوق اسرافيل كسماع رجل واحد من باب أولى، ولا تحديد لقدرة اللّه.
هذا، واللّه أعلم، وأستغفر اللّه، ولا حول ولا قوة إلا باللّه العلي العظيم، وصلّى اللّه وسلم على سيدنا محمد وآله وأصحابه وأتباعه ومن تبعهم بإحسان صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، والحمد للّه رب العالمين. اهـ.

.فصل في الوقف والابتداء في آيات السورة الكريمة:

.قال زكريا الأنصاري:

سورة ق مكية إلا قوله: {ولقد خلقنا السموات} الآية فمدني.
وقد علم حكم {ق}.
{والقرآن المجيد} حسن إن جعل جواب القسم {ق} أو محذوفا أي لتبعثن وليس يوقف إن جعل جواب القسم {بل عجبوا} سواء جعل القسم {والقرآن} وحده أم مع {ق}.
{وكنا ترابا} كاف.
{بعيد} تام.
حفيظ كاف وكذا {مريج} و{من فروج}. و{منيب} و{رزقا للعباد} و{بلدة ميتا}.
{كذلك الخروج} تام.
{وقوم تبع} كاف وكذا {فحق وعيد} و{بالخلق الأول}.
{من خلق جديد} تام.
{من حبل الوريد} صالح.
{قعيد} حسن وكذا {عتيد}.
{تحيد} كاف.
{الوعيد} حسن.
{وشهيد} كاف.
{حديد} حسن.
{لدى عتيد} كاف.
{كفار} جائز.
{في العذاب الشديد} تام وكذا {بعيد}.
{بالوعيد} حسن.
{للعبيد} تام وكذا {من مزيد}.
{غير بعيد} كاف.
{حفيظ} تام إن جعل {من خشي} مبتدأ خبره {ادخلوها} وليس بوقف إن جعل {من خشي} بدلا مما قبله.
{ادخلوها بسلام} تام.
{الخلود} حسن.
{ما يشاءون فيها} كاف.
{ولدينا مزيد} تام وكذا {من محيص} و{شهيد}.
{من لغوب} كاف.
{السجود} تام وكذا {يوم الخروج}.
{المصير} كاف.
{سراعا} صالح.
{يسير} تام.
{بما يقولون} كاف.
{بجبار} تام.
وكذا آخر السورة. اهـ.

.قال أحمد عبد الكريم الأشموني:

سورة ق مكية إلا قوله: {ولقد خلقنا السموات والأرض} الآية فمدني آيها خمس وأربعون آية اتفاقًا وكلمها ثلاثمائة وثلاث وسبعون كلمة وحروفها ألف وأربعمائة وسبعون حرفًا.
{والقرآن المجيد} حسن إن جعل جواب القسم {ق} أو محذوفًا أي والله لتبعثن وليس بوقف إن جعل {ق} قسمًا {والقرآن} قسمًا آخر وفي جوابهما خلاف فقيل {قد علمنا} أو هو {ما يبدل} أو هو {ما يلفظ} أو هو {إن في ذلك لذكرى} أو هو {بل عجبوا} بمعنى لقد عجبوا سواء جعل القسم {والقرآن} وحده أو مع {ق}.
{عجيب} جائز إن لم يجعل ما بعده جواب القسم وكذا يقال في كل وقف فلا يوقف بين القسم وجوابه.
{وكنا ترابًا} حسن إن لم يجعل جواب القسم بعده.
{بعيد} تام.
{حفيظ} كاف.
{مريج} تام على أن جواب القسم فيما قبله.
{وزيناها} حسن.
{من فروج} تام على أن جواب القسم فيما تقدم وأنَّ نصب {والأرض} بفعل مقدر أي ومددنا الأرض مددناها.
{رواسي} حسن ومثله {بهيج} إن نصب {تبصرة} بفعل مضمر أي فعلنا ذلك تبصرة وليس بوقف إن نصب على الحال أو على أنها مفعول.
{منيب} تام ولا وقف من قوله: {ونزلنا من السماء ماءً} إلى {رزقًا للعباد} لاتصال الكلام بعضه ببعض فلا يوقف على {مباركًا} ولا على {الحصيد} للعطف فيهما.
{باسقات} جائز على استئناف ما بعده وليس بوقف إن جعل ما بعده متعلقًا بما قبله ولا يوقف على {نضيد} على أن {رزقًا} مفعول له.
{رزقًا للعباد} حسن ومثله {ميتًا}.
{كذلك الخروج} تام عند أبي حاتم والكاف في محل رفع مبتدأ أي كذلك الخروج من الأرض أحياء بعد الموت ولا وقف من قوله: {كذبت} إلى {قوم تبع}.
و{تبع} كاف.
{فحق وعيد} تام.
{بالخلق الأول} كاف.
{من خلق جديد} تام.